تسريحك من الوظيفة: فرصة لا هزيمة
المهني الناجح هو من يتمكَّن من تحويل الانتكاسة الوظيفية المؤقتة إلى نجاح باهر ودائم
بقلم: ريشما يعقوب
أًصيبتْ تريسي كولتر بالذهول حينما أقيلت من عملها العام الماضي، وبعد ستة أشهر فقط من حصولها على أول وظيفة لها في وكالة إعلانات كبرى. صحيح أنها لم تكن سعيدة في عملها، فساعات الدوام كانت طويلة كما أن خلافاتها مع زميل لها في العمل كانت تستنزف طاقتها، ومع ذلك فقد كان العمل مع شركة مرموقة في هذا المجال مجزيا ماليا. وتتذكر كولتر البالغة من العمر 32 عاما، قائلة: "لقد صُدمتُ".
وقد أبلغها رؤساؤها أنه تم تسريحها لأن الشركة خسرتْ عقدا مع زبون مهم. لكن كولتر تعتقد أنه تمتْ إقالتها لأنها تقدمت بشكوى لشعبة الموارد البشرية في الشركة بشأن معاملة أحد الزملاء لها. ومهما يكن الأمر، فقد توصّلتْ كولتر إلى قناعة بأن تسريحها كان نعمة حتى ولو بدا الأمر للوهلة الأولى غير ذلك.
تقول كولتر: "كنتُ بائسة أثناء عملي هناك، لكن لم يكن لديّ الوقت أو الطاقة للبحث عن شيء أفضل. على أن تسريحي من العمل أشعل فيّ الحماس وساعدني على الخروج إلى العالم الواسع للبحث عن عمل جديد". بعد 3 أشهر، حصلت كولتر على عقد لوظيفة ذات دخل أعلى في وكالة إعلانات أخرى. وللشركة الجديدة ثقافة داعمة ومشجعة أكثر.
تقول كولتر: "هنا في هذه الشركة، يُسمح لي بأن أغادر مكتبي أثناء فترة الغداء، كما أن الشركة تشجعنا على أن نأخذ إجازات، وأن نكون منفتحين وأن نطلب ما نريد، إنهم يتعاملون مع الموظفين بوصفهم بشراً لهم أهمية وقيمة".
البداية بعد التسريح
نشر الكاتب هارفي ماكاي، مؤخراً، كتابا جديدا يتحدث فيه عن عملية التسريح من الوظيفة بوصفها فرصة وليست هزيمة. وعنوان الكتاب هو "لقد تمّت إقالتنا من أعمالنا!... وهذا أفضل شيء حدث لنا على الإطلاق" We Got Fired!...And It's the Best Thing That Ever Happened To Us ويستشهد ماكاي بالعديد من الأمثلة لتعزيز حجته: لو لم يُطرد مايكل بلومبيرغ من وظيفته في شركة "سالومون براذرز" عام 1981، فإنه ما كان ليؤسس شركته الناجحة نجاحا كبيرا في مجال المعلومات المالية أو أن يصبح عمدة مدينة نيويورك. كما أن جايمي ديمون أصبح رئيس "بانك وان"، وهو سادس أكبر بنك في أميركا، بعد ما أقيل من وظيفته السابقة. وأقالت إحدى محطات الإذاعة المحلية جيسي فينتورا من وظيفته، لكن فينتورا اندفع إلى الأمام وأصبح حاكما لولاية منيسوتا.
توم ستيمبيرغ، مؤسس شركة ستيبلز، وهي شركة عملاقة للأدوات المكتبية، وماني جاكسون صاحب فريق هارلم غلوب تروترز لكرة السلة الاستعراضية، وبطلة كرة المضرب بيلي جين كينغ كلهم حققوا النجاح بعد تسريحهم من وظائفهم.
ومن المحتمل أن تتعرض أنت أيضا للتسريح من عملك في مرحلة ما من حياتك المهنية. وإذا ما كنت دون سن الـ30، فإن احتمالات فقدانك لوظيفتك لأسباب لا تعود إليك خلال الـ20 سنة القادمة تعادل 90%، كما يقول ماكاي.
ووفقا لاستطلاع أجرته شركة كورن/فيري للتوظيف عام 2004، فإن 68% من المدراء التنفيذيين يشعرون بالقلق إزاء فقدان وظائفهم على نحو غير متوقع.
يقول ماكاي: "إن كنت بين الـ18 والـ35 من عمرك، فعليك أن تكون مهيأً لفقدان وظيفتك، إذ لم يعد ممكنا الاستمرار في وظيفة واحدة لمدة 35 سنة متواصلة والحصول على وسام أو ساعة ذهبية بعد ذلك، وعليك أن تتهيأ لإقالتك من وظيفتك في اليوم ذاته الذي تبدأ فيه العمل".
كيف تستعد؟
ولكن كيف تستعد لمواجهة هذا الأمر؟ عليك وقبل كل شيء أن تبني شبكة علاقات، إذ إنه يتم شغل 75% من الوظائف عبر هذه العلاقات، كما يقول ماكاي. وسجل في مساقات تعليمية عبر برامج التعليم المستمر لتعلم مهارات الكمبيوتر والاتصال واللغات الأجنبية. وحينما يتم إخراجك من المبنى الذي تعمل فيه فلا تشعر بالمرارة ولا تحرق جسورك مع هذا المكان ومن يعملون فيه.
لم يصدّق فرانك مانزو (25 عاماً)، الأمر حينما تمت إقالته بشكل غير متوقع من وظيفته كمستشار نفسي للمراهقين في ولاية نيوجيرزي الواقعة شرقي الولايات المتحدة. بيد أنه اعتبر هذا الحدث علامة تنبّئه بأنه سيعيش حياة مختلفة. وفي نفس اليوم الذي طُرد فيه من وظيفته، ذهب مانزو، وهو عاشق للموسيقى، إلى حفل لفرقة "بيرل جام" Pearl Jam التي كان يتطلع لحضور حفلاتها منذ أمد طويل. ولم يكن مانزو قد اشترى تذكرة لحضور الحفل لأنه كان يعمل إلى ساعة متأخرة من الليل. وبدأ مانزو خلال العام ونصف العام التاليين يحقّق دخلا من العمل كدي جي في نادٍ ليلي كبير في مدينة فيلادلفيا. وبدأ يستغل وقت فراغه في السفر. وحينما مرضت خطيبته بشكل مفاجئ، تمكن من العناية بها وهو أمر ما كان بوسعه أن يفعله لو كان ما زال يعمل في وظيفته السابقة.
وأخيرا، وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر بدأ مانزو العمل في وظيفة اعتيادية حيث أصبح أخصائيا في شؤون الأسرة.
يقول مانزو: "الدخل أعلى، وساعات العمل أقل إرهاقا. وأتمتع بقدر كبير من الحرية في تسيير عملي. كما أن مقرّ عملي الجديد يقع على مبعدة 10دقائق من سكني وليس على مبعدة ساعة من الوقت كما كان الحال مع وظيفتي السابقة، هذا وتسمح لي ساعات الدوام في هذه الوظيفة بالاستمرار بعملي كدي جي".
ويقول مانزو بأنه كان سيكون في نفس وظيفته السابقة لو لم يتم تسريحه: "كان الأمر يتعلق بالشعور بالأمان الوظيفي، وكنت سأحُرم من الكثير من الفرص لو لم يقيلوني من عملي".
أما ريتشارد لايرمر فقد ترجم إقالته من منصبه كمدير للعلاقات العامة في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال في جامعة كولومبيا إلى نجاح مهني كبير حينما استخدم راتب إنهاء الخدمة، وهو ما يعادل راتب ثلاثة أشهر مضافا إليه تعويض الإجازات التي لم يستخدمها، لتأسيس شركة العلاقات العامة الخاصة به.
واليوم توظف شركة لاريمر، واسمها "أر أل أم بيه أر" 23 موظفا. وبات لاريمر يملك منزلين ويقيم بين مدينتي لوس أنجلوس ونيويورك. يقول لاريمر (36 عاما): "حين إقالتي من عملي، شعرت بأن ذلك أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي، غير أنني أرى الآن بأن ذلك هو أفضل شيء حدث لي".
فُصلت ناتلي رانس من وظيفتها بشركة كبرى للإعلانات في مدينة منيابوليس، بولاية منيسوتا، في شهر آذار/مارس 2004. وكانت تشعر منذ البداية بأنها غير قادرة على التكيّف مع ثقافة الشركة.
تقول رانس: "كان للشركة طابع شللي تنتشر فيه النميمة، أما أنا فأفضل أداء عملي بصورة مستقلة ثم الذهاب إلى منزلي". وبعد شهور من بدئها العمل، لاحظت رانس، وكانت مشرفة حسابات إعلانية، أنها كانت تُحرم من المهام والعقود الكبرى والمجزية، فيما كان أشخاص أقل مرتبة منها يُعطون مسؤوليات أكبر.
غير أن فصل رانس من وظيفتها أتاح لها الوقت اللازم لإعادة تقييم حياتها المهنية والخاصة في آن. وقرّرت أن تبيع منزلها وأن تنتقل إلى مدينة دنفر في كولورادو لتكون قريبة من صديقها. وبعد ثلاثة أشهر من فصلها، كانت رانس تعمل في وظيفة علاقات عامة أرفع مستوىً من وظيفتها السابقة. وهي الآن مديرة العلاقات العامة في جامعة جونز الدولية. وهذه وظيفة مجزية حقا، لكنها، وهذا هو الأهم، وظيفة تشعر فيها بالارتياح والتقدير. كما أن رانس تدرس من أجل الحصول على شهادة الماجستير، على نفقة الجامعة.
تتذكر رانس قائلة: "كنت أريد متابعة دراساتي العليا أثناء وظيفتي السابقة، لكنهم أحبطوني وثبطوا عزيمتي، كانوا قلقين من أن ذلك سيؤثر على أدائي لعملي".
كما أن رانس وبعد فصلها من وظيفتها قبلت الزواج من صديقها الذي انتقلت إلى دنفر لتكون بالقرب منه. تقول: "لا أظن أننا كنا سنصبح مخطوبيْن لو لم أنتقل إلى دنفر. فقد كان من الصعب الحفاظ على علاقتنا بسبب المسافة التي كانت تفصل بيننا".
وتشعر رانس بأنها محظوظة كونها قد فُصلت في الوقت الذي فُصلت فيه. تقول: "أحيانا تُوضع العراقيل في طريقك لسبب ما، ولا ينبغي لك أن تشعر بالارتباك أو الخوف جراء فصلك من وظيفتك، ولا ينبغي لك أن تشعر بالارتياح لحدوث ذلك أيضا. بل يتعيّن عليك تقييم الموقف لتفهم ما حدث. وعليك أن تدرك بأن هناك ضوءاً في نهاية النفق".